Cherreads

Chapter 41 - اليوم1

(تكلمة)

بعد حلول الصباح،و استيقاظ الجميع،اكملو مباشرة رحلتهم،رغم التعب الذي لا يزال يُثقل أجسادهم.

كان الثلج لا يزال يغطي الأرض بكثافة،لكن اشعة الشمس كانت تساهم بتدفئتهم رغم برودة الجو.

مرت الدقائق و الساعات و هم مستمرين بالمشي،متبعين جوزيف بالمقدمة،بينما كان نيكولاس يعلم ايثان بعض حركات القتال بسبب الملل،اما جيني فكانت تمشي بمفردها لا تزال تفكر بأحداث ليلة امس.

سدد نيكولاس لكمة بالهواء قائلا"لا تقم بمثل هاته اللكمة،فكما ترا فهي ضعيفة و لن تسبب ذالك الضرر للعدو،لذالك انظر اليَّ جيدا و كرر ورائي"

قام نيكولاس بتقديم قدمه اليمنى عن الاخرى جاعلا قدمه اليسرى خلفها،ثم رفع يديه نحو وجهه بوضعية دفاعية،بنفس الوقت قام بثني ركبتيه قليلا.

ثم قال بنبرة جادة"لا تضرب بذراعك فقط،بل استعمل جدك كاملا"

دار خصره وكتفه في حركة سريعة، ضغط على الأرض بقدمه الخلفية وهو يوجه لكمة مستقيمة بقبضته اليمنى إلى الأمام.

ثم استدار بنظره إلى إيثان"هيا،فل تكرر ما قمت به"

نظر إيثان إليه بانبهار، ثم حاول تقليد الحركة، لكن جسمه تمايل وبدت حركته ثقيلة وغير متوازنة.

ضحك نيكولاس قليلًا قائلا"ليس سيئا كبداية،لكنك ستتقنها مع التكرار بطبيعة الحال"

هز ايثان رأسه ب"نعم"،ليبدأ بعد ذالك بتكرير اللكمة مرارا و تكرارا.

فجأة صرخ توقف جوزيف في مكانه،ليتوقف بعدها الجميع عن الحراك (ما عدا ايثان الذي استمر بتسديد اللكمات في هواء)

لف رأسه بهدوء ناحية نيكولاس ثم قال وفي وجهه مزيج من عدم الجدية و التحذير"لقد وصلنا للمدينة لذا من الافضل ان تلتزمو الصمت من الان"

نظر نيكولاس و جيني نحو الامام ليلمحو علامات المدينة من البعيد، مبانٍ مائلة، وأبراج صغيرة مغطاة بالجليد، ولا أثر لأي حركة حياة.

قال نيكولاس و كأنه تعرف على هذا المكان"اعرف هذا المكان،لقد كنت اعيش بالقرب من هنا قبل ان يخطفني صديقك ذاك"

رد عليه جوزيف بنوع من الانزعاج"فقط التزمو الصمت حسنا،لا نريد جذب انتباه تلك المخلوقات،تقدمو"

اقتربوا أكثر، وبدأت تفاصيل الأبنية تتضح. النوافذ محطمة، والأبواب نصف مفتوحة،سيارات مهشمة،جدران مدمرة،مع طبقة كتيفة من التلج.

"فجأة... وقبل أن يدخلوا المدينة فعليًا، قال جوزيف بصوت منخفض لكنه واضح بما يكفي لمن حوله"انخفضو بسرعة!"

لم يستغرق الامر ثواني ليندس الجميع تحت التلوج،مرعوبين و مستغربين من تحذير جوزيف المفاجئ.

القا نيكولاس نظرة سريعة ناحية المدينة،ليتفاجئ بجموعٍ من المتجولين، يمشون ببطء وسط الشوارع المهجورة،خطواتهم ثقيلة وغير منتظمة، و بعضهم أجسادهم مائلة بطريقة غريبة.

استمر البعض بالمشي مع البقية،بينما خرج بعضهم من المجموعة بشكل عشوائي.

بقي الجميع صامتا،متوترا،منتظرين ابتعادهم بفارغ الصمت.

همست نيكولاس لجيني و ايثان"ابقوا ساكنين... هؤلاء يتفاعلوا مع الصوت والحركة. حتى لو كانوا بعيدين.فل ننتظر فقط الا ان يبتعدو،و ندعو ان لا يقتربو منا"

زحف أحد المتجولين نحو سيارة محطمة، وبدأ يضرب عليها بيديه الباردتين كأن شيئًا أغضبه فجأة.

تجاهله البعض،بينما اقترب البعض الاخر منه و بدئوو بضرب السيارة مثله،من ما زاد من التوتر في انفس الفريق.

مرت عدة دقائق،و ابتعدت جموع المتجولين عن المكان،بينما بقي بقية من كانو يضربون السيارة بالمكان.

همست جيني في اذن نيكولاس بتوتر"إلا متى سيبقون هنا بالضبط؟لقد بدأت اتجمد بالفعل"

رد عليها نيكولاس و هو يحاول الصبر على برودة التلج"لا اعرف لكن،لكن لا شيئ بإمكاننا فعله حاليا سوا الانتظار"

ظل نيكولاس ينظر بصبر نحو المتجولين بملامح من الجدية متحملا برودة الجليد،اغلق عينيه للحظة اخذا نفسا عميقا.

و فور فتحه لعينيه وجد كل المتجولين الذين كانو بالجوار ميتين،دمائهم و احشائهم منتشرة بالارجاء،و في منتصف كل هاته الفوضى،مخلوق طويل القامة ذو جيد مشوه،و كأنه عبارة عن جثث مسلوخة تم تشكيلها على شكل وحش،ذو يدين طويلتين ممتدتين الا اسفل قدميه،تنتهي بأصابع حادة كالسكاكين،كان وجهه مشوها ذو عيون سوداء،و رأس شبه منفوخ،كأن دماغه كان ظاهرا للجميع،في المكان الفم كانت هناك مجسات حمراء كالديدان،تتحرك و كأن لها وعياً مستقلا.

كان الوحش يتغذى على احد المتجولين،بلهفة بسرعة،لدرجة انه بالكاد كانت ترا تحركاته اثناء اكله،فقط صوت خلط بين تمزّق اللحم وصرير العظام تحت الضغط،و جثة تلتهم و كأنها تتحل بسرعة غير طبيعية.

تحت انظار جيني و جوزيف الذان لم يحسا بشيئ سوا مزيج من الرعب والخطر الحقيقي.

لمس نيكولاس جيني بهدوء قائلا لها بصوت منخض"استعدي،هاته فرصتنا،سوف نذهب نحو ذالك المنزل انه الاقرب الينا،لقد اخبرت ايثان مسبقا،فل تنبئي جوزيف بالتحديثاث"

بلعت جيني ريقها بصعوبة،و التوتر يسيطر عليها خوفا من ان تصدر صوتا و يعرف الغريب مكانهم.

مدت جيني يدها ببطئ نحو قدم جوزيف،ناغزتا قدمه بهدوء،ليلف وجهه ببطئ و توتر نحوها.

نظرت إليه جيني بعينين مذعورتين، وأشارت برأسها بخفة نحو نيكولاس، ثم ناحية المنزل القريب، محاولة أن تنقل الرسالة دون أن تنبس بكلمة.

فهم جوزيف الإشارة بسرعة، وبحذر شديد أومأ برأسه موافقا على الخطة.

بدأ نيكولاس بالزحف ببطئ نحو المنزل ببطئ،ليبدأ البقية فيما بعدها بإتباعه بصمت،تحت اصوات تكسير اللحم و العظام الذي يسببها الغريب.

سارت الامور على خير و وصل الجميع نحو المنزل،مقفلين الباب من خلفهمم بهدوء.

رغم برودة الاجواء،كانت وجوههم تتصبب عرقا بسبب التوتر و الخوف،ما عدا نيكولاس الذي بدا و كأنه معتاد على هذا الشيئ.

همس جوزيف بنبرة ساخطة"تبا كم اكره هائلاء الفاريجان،لا تستطيع حتى معرفة خطرهم بنسبة لك"

رد عليه نيكولاس بتحفض"لحسن حظنا انني اعرف"

التف الجميع نحوه(ما عدا ايثان) بإهتمام،قبل ان يكمل كلامه"هذا الحقير متواجد بكثرة في هاته المدينة،انه سريع،سريع لدرجة لا تصدق...فور ادراكه لتواجدك فأنت ميت لا محالة"

رد عليه جوزيف و القلق واضح على ملامحه و صوته"مهلا لحظة؟كم سرعته بالضبط؟"

رد عليه نيكولاس بنبرة حازمة"رمشة عين"

سأله جوزيف بصراخ مكبوت بالكاد مسموع"انتظر مجددا!اتقول انك كنت تعيش هنا؟كيف استطعت العيش هنا ايها الاحمق؟؟!"

رد عليه نيكولاس بنبرة هادئة وثابتة"لم اقابله وجها لوجه،لكنني كنت اراه كثيرا بالمكان،و لحسن الحظ انني اعرف كل شبر من هاته المدينة،و اعرف اين يكثر ظهوره،لذالك كنت استطيع تجنبه مع القليل من الحظ"

رد عليه جوزيف و الصبر بدأ بالنفاذ منه"اذا كنت تعرف المدينة جيدا فقدنا لبر الامان قبل ان يتم تهشيمنا من ذالك المخلوق"

رد عليه نيكولاس و هو ينزل الحقيبة من ظهره ببطئ فاتحا فتحةً صغيرتا بسكينه لكي لا يصدر السَّحاب صوتا"اولا لنتزود جميعا بالاسلحة،في حالة تعرض احدنا لهجوم"

سحب فأسا ثم سكينا متوسطة الحجم،معطيا اياها لجوزيف

اخرج قبضة حديدية مدببة الحواف و سيفا طويلا بدا مألوفاً لإيثان،قبل ان يأكد نيكولاس شكوكه قائلا"هذا السيف من العجوز،اخبرني ان اعطيك اياه إن رأيتك".

امسك ايثان السيف بإنبهار،ليستمر بعدها بتفحصه بذهول و سعادة،فرحا بأنهم اكتمل اخيرا.

أدخل يده في الحقيبة مجددًا وأخرج خنجرا صغيرا، معطيا اياه لجيني.

ارجع الحقيبة لظهره،ثم اشر لهم لكي يتبعوه.

استمر بالمشي الا ان وصل لشباك مكسور،اخرج رأسه بحذر و بدئ بالنظر يمينا و شمالا فاحصا المكان،قبل ان يخرج من الشباك و يتبعه البقية مباشرةً.

ليجد نفسه في زقاق مهشم،مليئٍ بالنفايات المسكوبة على الارض،استمرو بالابتعاد عن مكان الغريب بهدوء.

وصل نيكولاس لنهاية الزقاق،التصق بالجدران،و اخرج جزئاً من وجهه لكي يستطيع تفحص المكان.

فور فعله لذالك،وجد وجها بشريا مشوها،و كأنه جثة بشرية تحللت على مر السنين،واقفا مباشرة امام وجهه

تجمد نيكولاس في مكانه، واتسعت عيناه دون أن ينبس بكلمة. لم يكن لديه وقت للتفكير—فقط جزء من الثانية فصل بين النظر و امساكه للمتجول بقوة من وجهه و سحبه لجهته،ليقوم بعدها بحمل سكين و فصل رأسه عن جسمه في ثوانٍ معدودة،تاركا جتثه ساقطتا على التلج الذي تلطخ بياضه بدماء المتجول.

بقي نيكولاس يتنفس بسرعة من الصدمة،و ضربات قلبه ازدادت بشكل مهول.

حرك نيكولاس عينيه نحو البقية الذي غلبت عليهم ملامح القلق و التوتر،في حين اخذهم لوضعية دفاعية في حالة حصول اي مشكلة.

ارجع نيكولاس انظاره نحو الزقاق مجددا، ليلمح ظلالًا طويلة تمتد وتتحرك خلف الجدران،تليها اصوات زمجرة غير بشرية.

ليركض نيكولاس فجأة للإتجاه المعاكس و ملامح القلق و الجدية تسيطر على وجهه.

لم يتطلب الامر ثواني معدودة ليبدأ البقية بالهروب معه بنفس الطريق.

لم ينظرو ورائهم،بل اكتفو بالركض سامعين اصوات صرخات و خطوات من خلفهم.

صرخت جيني غير قادرة على كبح نفسها من الرعب"تباااااااااااااااااااااااااااا سوف نموتتتتتتتتتتتت!!"

صرخ عليها جوزيف بمزيج من العصبية و التعب"اصمتي ستزيدين الامر سوؤاً اللع**ة"

فجأةً زاد نيكولاس من سرعته و قام بالتقدم عليهم جميعا،و بكل خفة، قام بالقفز ناحية احد النوافذ محطما اياها قبل ان يصرخ لهم"تعالو من هنا!!"

ترددوا لثوانٍ، لكن صراخ المتجولين ووقع خطواتهم القريبة كان كفيلاً بأن يدفعهم للتحرك.

قفز ايثان اولا نحو النافذة،زاحفا بسرعة لداخل متجاهلًا الجروح الصغيرة التي أصابت يده بسبب الزجاج،تلاه جوزيف الذي تم دفعه من جيني لداخل بعجلة.

فور دخولهم بدأ المتوجولون يحاولون الدخول،متكدسين في النافذة بأعداد مهولة.

رفع نيكولاس مسدسه نحوهم بسرعة و بدأ بالاطلاق عليهم،ممزقا رئوسهم من الامام،ساقطين موتا على الفور.

لكن بسبب ازدحامهم بالنافذة ذالك جعل جثثهم تغلق الفتحة حاميتا البقية بالداخل.

التف نيكولاس للوراء بفزع ليجد ايثان يأشر لهم لكي يتبعوه،ليقوم بعدها بالصعود نحو درج محطم بسرعة،ليتبعه نيكولاس و البقية مباشرة.

كان المكان بالاعلى فوضويا كالمعتاد،الصراصير و الحشرات تمشي بالارجاء،و السقف قد سقط منذ وقت طويل.

اقترب صرصور من قدم جيني من ما جعلها تقفز من الرعب و في وجهها تعابير التقزز،في الوقت ذاته الذي قال لهم نيكولاس امرا اياهم"فل نصعد فوق سطح المنزل،هناك منازل قريبة نستطيع القفز نحوها"

صرخ عليه جوزيف بإستياء"فقط تحرك و توقف عن تضييع الوقت بالكلام سوف نتبعك بأي شيئ تقوم به"

قفز نيكولاس بسرعة نحو كومة من الحطام المتناثر بجانب الحائط، واستعان بها ليصل إلى فتحة التي تؤدي إلى السطح. تسلق عبرها بخفة وسرعة، ثم مدّ يده ليساعد البقية.

ليسمع بعدها مباشرة صوت تكسير قوي،يليه صوت ركض المتجولين بالمنزل.

فور صعودهم،تعثر ايثان بسبب ان السقف كان منحنيا،لكن جوزيف امسكه في اخر لحظة قائلا بنبرة قلقة"احذر يا فتى!!"

اشر نيكولاس نحو سطح احد المنازل الذي كان ملتصقا معهم قائلا"نحو هذا المنزل"

ركض أولاً دون تردد، وقفز على السطح المجاور،نهض من الارض بسرعة مأشرا للبقية بيده للقدوم.

بقي ايثان ينظر اليه بعينين مبهورتين،معجبا بالحركة التي قام بها،وضع السيف الذي كان في يده في احد جيوب سرواله خارقا اياه.

تقدم جوزيف نحوه و في وجهه ملامح جدية مبالغ فيها،مدّ ذراعيه نحو إيثان قائلاً بصوت درامي "هذا قد يكون خطرا عليك،دعني اساع-"

و قبل ان يكمل كلامه،قفز ايثان نحو السطح المجاور،و فور وصوله للأرض بدأ بالتكور الا ان اصطدم بنيكولاس.

وقف ايثان على قدميه بسرعة،رافعا كلتا ذراعيه بالهواء فرحاً،و على مرأاه مزيج من الفخر و الفرح.

بقي جوزيف مجمدا في مكانه،بلا حراك يحس بالغدرة،بينما سقطت دمعة صغيرة من عينه اليمنى.

بدأت جيني تنغزه بسرعة و في وجهها ملامح القلق و الرعب،التف نحوها بحزن هزلي قائلا بنبرة جامدة"مذا؟"

لتستمر جيني بتأشير بجنون للوراء.

التف جوزيف بملامح مجمدة للوراء،ليتفاجأ بكتلة عملاقة من المتجولين المجتمعين فوق بعضهم البعض، كأنهم يبنون سلماً بشريًا متعفّنًا، تتسلقه أطرافهم الممزقة وأجسادهم المتكسّرة، يسحبون بعضهم من الأرجل والذراعين، يتكدسون بأعداد مهولة، يصرخون ويزأرون.

ليقوم جوزيف و جيني بالقفز مباشرةً نحو السطح الاخر،و ملامح الرعب تشق وجوههم.

سقط التكتل على سطح المنزل،ناشرا المتجولين كالجراد،في كل شبر في المكان،لدرجة ان بعضهم بدأ بالسقوط من المنزل بسبب ضيق المساحة.

فور وصول جيني و جوزيف لسطح الاخر،صرخ نيكولاس بتوتر"اللع*ة لقد وصلو الينا،فل تستمرو بالقفز!!"

نظروا جميعًا إلى المتجولين وهم يتساقطون من السقف خلفهم،كأمواج بشرية جائعة لا تنتهي.

ابعد الجميع انظارهم عنهم فجأة و بدئوو بالركض بأقصى ما عندهم قافزين من سطح الا الثاني،في الوقت نفسه كان المتجولون من خلفهم يتبعونهم،يقفزون مثلهم،من تعتر نهض مجددا و بدأ بتتبعهم،و من كُسر بدأ بالزحف ناحيتهم،و بعضهم من سقط يا ميتا او بالكاد حيا.

استمرت الملاحقة دقيقتين كاملتين بدون توقف،الا ان نزلو فوق احد الاسطح مستقرين فيه بعد ان غلبهم التعب.

تفحص نيكولاس المكان بسرعة ليجد بابا معدنيا يُأدي لطابق السفلي.

مسح العرق من على جبينه ثم انطلق مسرعا ناحيته،مد يده نحو نافذة صغيرة كانت بجانبه فاتحا الباب من الداخل.

أشار لهم بالدخول بسرعة، وصوته يهمس بعجلة"هيا، أسرعوا!"

دخل نيكولاس أولاً، تبعه جوزيف وهو يلهث، ثم جيني التي كادت تقع من الإرهاق، وأخيرًا إيثان، الذي كان لا يزال يلتفت خلفه بين الحين والآخر ناظرا الا المتجولين و هم يقتربون منهم.

اقفل نيكولاس الباب بقوة،ثم هبط للأسفل املاً ان يضيعو اثرهم.

بالاسفل كان المكان كباقي البيوت،مدمرة،متهالكة،عفا عليها الزمن.

لم يهتم نيكولاس لأي شيئ بل فقط استمر بالمشي للأمام الا ان وجد نافذة تطل على مكان خالٍ من اي متجولين.

لم ينتظر حتى،بل ذهب مباشرة و خرج من البيت هو و البقية من خلاله،مبتعدين عن حشود المتجولين التي تلاحقهم.

راكضين بكل سرعتهم محالوين الابتعاد عنهم قدر المستطاع،الا ان توقفو امام احد المحلات داخلين لداخل لكي يحتمو من الخطر.

سقط ايثان على الارض من شدة التعب بينما اتكأ جوزيف على احد الجدران لاهتا بقوة.

بينما جلست جيني على الأرض، مسندة ظهرها على رفٍ محطّم، تنظر إلى الأرض بنظرات شاردة،و التعب يسيطر على وجهها.

بينما كان نيكولاس يحاول اقفال فتحة الباب ،بالرفوف الموجودة بالمتجر،قبل ان يجلس هو الاخر من شدة التعب.

تكلم جوزيف و الارتياح بدأ بالدخول الا نفسه"اخيرا...بعض الهدوء"

رفع ايثان يده للأعلى رافعا ابهامه بالموافقة.

في حين ظلت جيني صامتة تلهت من شدة التعب.

نطق نيكولاس بإنهاك"اجل(تنفس)نحن بخير،لكن علينا الخروج من المدينة بأسرع ما يمكن"

رد عليه جوزيف بسخرية"لقد عشت هنا لمدة كما قلت،لذالك اظن ان مهمتي قد انتهت من الان"

ضحك نيكولاس بخفوت، ثم قال بنبرة متعبة"طالما وصلت الا هذا الحد معي فلا مجال لتراجع،حتى لو اردت الرجوع ما الذي سيضمن لك انك لن تموت قبل ان تخرج من المدينة حتى؟او من الجوع مثلا؟"،ليخرج مجموعة من الطعام المعلب من حقيبته و يمده ناحية جوزيف بإبتسامة خفيفة.

اخذ جوزيف الطعام المعلب من نيكولاس و في وجهه ابتسامة غير جدية،قائلا بينما يضع احد ايديه خلف رأسه"منطقي بما فيه الكفاية بنسبة لي"

لييقوم بفتح العلبة بسكينه و يبدأ بالاكل،في نفس الوقت الذي قام به نيكولاس بتوزيع الطعام على الجميع،ليستجمعو طاقتهم من اجل اكمال الرحلة.

لحظة سلام فيما بينهم، لا يُسمع فيه سوى صوت فتح العلب المعدنية ومضغ الطعام.

وسط هاته الاجواء الهادئة،قطعت جيني حبل الصمت قائلتا"ايمكنني سئالكم شيئا؟"

رفع الثلاثة رؤوسهم نحوها، بهدوء،ثم قال نيكولاس بإستغراب"بالطبع،ما الامر؟"

ترددت جيني للحظة، نظرت إلى العلبة التي كانت بين يديها، ثم رفعت نظرها إليهم وقالت بصوت خافت"...انا اعرفكم منذ مدة لذالك فنحن نعتبر اصدقاء الان صحيح؟"

رد عليها جوزيف ضاحكا"بالطبع نحن اصدقاء!"

توسع بؤبؤ عيني ايثان للحظة قبل ان يأشر بنعم و في ملامحه ابتسامة صادقة.

رد عليها نيكولاس و في وجهه ملامح الاستغراب"نعم،لكن لماذا هذا السئال فجأة؟"

ردت عليهم جيني و بنبرتها بعض التوتر و الحزن"انتم جميعا عشتم في هذا العالم الملعون،سعيتم للعيش فيه رغم خطورته،كل واحد منكم لديه اسبابه لفعل ذالك،و انا كذالك...لكني اكتشفت مأخرا انه لم يكن سوا هدف كاذب،لم يكن حتى حقيقيا،بل فقط خطيئة نسيتها طيلة هاته السنين...لذالك انا الان فقط محتارة بما افعله بعد انتهاء كل هذا..."

سادت لحظة صمت بعد كلمات جيني، بدت أثقل من أي لحظة مرت عليهم منذ بدء الرحلة.

وضع نيكولاس علبته جانبًا، ثم قال بهدوءٍ غير معتاد منه"فقدتي هدفك اذا...لا اعرف شعورك الان،لذالك كلامي قد لا يكون ملائما لك،لكن فقدانك لهدفك لا يعني انتهاء رحلتك،بل فقط بدأتِ من جديد"

ردت عليه جيني بإستغراب"مذا تقصد؟"

اكمل نيكولاس كلامه قائلا"لا اعرف كيف اشرح الامر جيدا لكن،اعتبري الامر كبداية جديدة،فكما ترين حياتك قد تغيرت منذ دخولك للقرية،لديك صديقات جدد،منزل تتوقين للعودة اليه،و حياة هانئة لتعيشيها،إن لم يكن لديك هدف الان،فعلى الاقل اجعلي هدفك الحفاض على هاته الحياة التي انعمتي بها"

تأثرت جيني من كلماته،مقتنعتا من كل حرف قاله،لتجاوبه و على وجهها ابتسامة خفيفة"شكرا لك"

نطق جوزيف قائلا بنبرة ساخرة بينما يأكل من طعامه"رائع يتكلمون عن الحياة وسط مدينة تريد قتلهم"

رد عليه نيكولاس بوجهٍ جدي"بقاء الشخص بدون هدف ليس بالشيئ الهين،فسبب وجود كل واحد منا بالمكان الذي نحن فيه الان،إن لم يكن لشخص هدف في هذا العالم فقد حكم على نفسه بالموت بالفعل."

رفع جوزيف حاجبيه قليلاً، ثم ابتسم ابتسامة جانبية وقال"رائع،انت احكم من ما تبدو عليه"

ليبدأ كلا من جوزيف و جيني بالضحك بشكل خفيف بينما قالت جيني بسخرية"اسفة،لكنه محق"

وأثناء حديثهم، كان إيثان يستمع إليهم في صمت...بوجه خال من اي تعابير،غارقا في افكاره،وكأن الكلمات التي سمعها من نيكولاس وجيني بدأت تفتح أمامه أبوابًا جديدة في ذهنه،متسائلا عن هدفه الحقيقي،و رغبته الملحة في الحصول على هدف مثل البقية.

لكن خيط تفكيره قوطع بسبب اصوات اتية من الخارج،من ما زرع التوتر في نفوسهم اجمعين.

اشر نيكولاس للبقية لسكوت،لكن ذالك لم يكن ذا قيمة بالوقت الراهن.

و على حين غرة،بدأت تسمع اصوات ضرب متتالية من جهة الباب،و كأن هناك الاف الايادي تحاول اقتحام المكان.

من ما حث الجميع على الظن من ان المتجولين قد عرفو مكانهم...ما عدا نيكولاس الذي كان مدركا لماهية الطارق.

نظر يمينا و شمالا في فزع على امل ان يجد بابا او حتى فتحة للهروب،لكن المكان كان مليئاً فقط بالرفوف المحطمة.

صرخ نيكولاس بصوت منخفض و بوجهه ملامح الرعب"اختبئو وراء الرفوف بسرعة!!"

اختبئ نيكولاس و جوزيف وراء احد الرفوف المائلة،في حين اختبئ جيني و ايثان خلف رف مختلف.

فجأة و دون سابق انذار حطمت الرفوف التي كانت تقفل الباب،مصدرتا صوت تحطم قوي،مرعبا كل من في المكان.

تجمد كِلاً من جيني و جوزيف في مكانهما.

بالمقابل قام نيكولاس و ايثان بالتملص على مكان الباب،من خلال فتحة صغيرة في رف كليهما.

ليجدو نفس الغريب الذي وجدوه سابقا عند دخولهم للمكان واقفا امام الباب.

سقط قلب نيكولاس من مكانه من الرعب،في حين تسلل مزيج من القلق و الرهبة الا قلب ايثان.

اختفى الوحش فجأة و ضهر في منتصف المحل،مسببا تطاير الغبار و الاوراق من على الارض من سرعته،بدا الامر بالنسبة لهما و كأنه انتقل انيا و ليس حركة.

قبض نيكولاس على مسدسه بقوة،مستعدا لأي شيئ قد يحدث.

في نفس الوقت،كان الوحش واقفا في مكانه بدون حركة،فقط يحرك رأسه بسرعة مخرجا صوتا اشبه بطرطقة العظام.

كان الصوت مزعجًا بما فيه الكفاية ليجعل جيني تغلق أذنيها وتشد على أسنانها من شدة التوتر، بينما بقي جوزيف جامدًا في مكانه، يراقب ما يجري من خلف الرف.

قال نيكولاس في نفسه و العرق و التوتر يهيمنان على وجهه"انه لا يتحرك،ممتاز!قد تكون هاته فرصتي الوحيدة لقتله،و علي استغلالها"

رفع نيكولاس مسدسه نحو الوحش بصمت،بينما لف جوزيف انظاره نحوه فاتحا عينيه بصدمة،و مظهرا اسنانه بخوف،مأشرا لنيكولاس لتوقف عن ما يفكر بفعله.

تجاهل نيكولاس تحذيراته،واضعا فوهة المسدس في نفس الفتحة التي كان يراقب بها الوحش.

امسك المسدس بقوة لظمان ان يده لن تفلت منه،وضع اصبعه على الزناد بتركيز،و في لحظة واحدة

(باممم!!!)

ضغط على الزناد،مطلقا رصاصة المصير،التي ستحدد ان كانو سيعيشون او سيهلكون.

نزع نيكولاس المسدس من الفتحة بسرعة،ثم وضعه عينه فيها مسرعا.

لم يجد الوحش في مكانه،و كأنه تبخر مع الرصاصة في الهواء.

رفع نكولا س عينه ببطئ عن الفتحة بإستغراب و توتر،مغيرا انظاره ناحية جوزيف.

ليجده ينظر اليه بعينين مرعوبتين،ساقطا على الارض و كأنه على وشك التبول على نفسه،من ما جعل نيكولاس يدرك فورا من الخطب.

لم يجد الوحش في مكانه،و كأنه تبخر مع الرصاصة في الهواء.

رفع نيكولاس عينه ببطئ عن الفتحة بإستغراب و توتر،مغيرا انظاره ناحية جوزيف.

ليجده ينظر اليه بعينين مرعوبتين،ساقطا على الارض و كأنه على وشك التبول على نفسه،من ما جعل نيكولاس يدرك فورا من الخطب.

التف بسرعة للوراء مستعدا للإطلاق،و لسوء حظه،و قبل فعله لأي شيئ،قام الغريب بتتبيته بالارض بسرعة،غير تارك له اي وقت لرد او التفكير،و بدأ دون انتظار بمحاولة افتراسه.

بدأ بمحاولة تمزيقه بمخالبه و محاولة اكله بأسنانه،بسرعة جنونية تكاد لا ترا بالعين المجردة،و نيكولاس يكافح بكل قوته محاولا النجاة.

كانت سترته الشتائية محملتا ببعض الحديد داخلها من ما ساعده قليلا على المواكبة معه.

كان نيكولاس يصرخ من الألم وهو يُدفع بقوة للأرض، يحاول بكل ما أوتي من عزم أن يُبقي فكّ الوحش ومخالبه بعيدًا عن عنقه ووجهه، لكن الوحش لم يكن يهاجم كما يهاجم أي مخلوقٍ آخر، بل كمن أصابه جنون جوع بدائي، كل حركاته كانت سريعة، عشوائية، لا تخضع لأي منطق أو نمط يمكن التنبؤ به.

فتح نيكولاس عينيه بمعانات،ليجد سترته قد تمزقت بشكل شبه كامل،و ذراعيه الذان كان يضعهما امام وجهه لدفاع عن نفسه تنزفان بغزارة شديدة"اللعن* س*سوف اموت...لا يمكن،لا يمكن،لم اقترب حتى،لا يمكن ان اموت بهاته الطريقة!،ليس الان!!!"

و اثناء كفاحه للخروج من مخالب الموت،لمح من احد عينيه،ظلاً غريبا،لشخص ما وراء الوحش.

ركز قليلا عليه،ليتفاجئ بأنه ايثان،تسلل من خلف الغريب دون ان يدرك وجوده.

احكم ايثان قبضته المسلحة بالقبضة الحديدية.

ليقوم بحركات سريعة بتطبيق تقنية اللكم التي تعلمها من نيكولاس سابقا،مسددا ضربة قوية ناحية العمود الفقري للوحش،لتخترق النهايات المدببة للقبضة ظهره،جاعلتا اياه يصرخ بهستيرية.

بدأ جسده يرتجف بشكل مبالغ فيه، رأسه يتحرك في مختلف الاتجاهات بأجزاء من الثانية.

لكن ذالك لم يشتت ايثان و لو للحظة.

فور ان حاول الغريب الالتفاف له،سدد ايثان ضربة اخرى لركبته،مما أفقد الوحش توازنه وسقط على الأرض مؤقتًا، محدثًا ارتجاجًا في الأرض.

في نفس اللحظة،قفز ايثان عليه،بعد ان سحب سيفه من مكانه، رفعه بكلتا يديه عالياً، عاقدًا العزم على إنهاء الأمر.

ليهبطه بكل ما اوتي من قوة على وجهه مخترقا اياه،ناشرا دمائه الحمراء الاقرب لسواد بالارجاء،ملطختا كلاً من وجهه و الارضية.

لكن ذالك لم يكن كافيا لإنهاء امره،فالضربة لم تكن كافية لإقتلاع روحه من مكانها.

حاول الوحش رد الهجمة،لكن ايثان في لحظة خاطفة،رفع السيف للهواء و اسقطه على رأسه مجددا.

مكررا ذالك مرارا و تكرارا.

كل ضربة كانت تقطع من جسد الغريب جزءًا، وكل صوت اصطدام بين المعدن واللحم والعظم كان يقرب الغريب من اجله شيئا فشيئا.

توقفت يد إيثان المرتجفة، ويده ما تزال تمسك بالسيف المغروس بعمق في ما تبقى من وجه الغريب،بينما اخذ يلهث من شدة التعب.

سحب السيف بتعب من وجه الوحش،الذي فقد ملامحه مع كل ضربة الا ان شوه وجهه بالكامل.

نهظ ايثان من على جثثه ببطئ،و الدماء تغطي كلاً من ملامحه و ملابسه.

بعد ان تأكد من موته،التف نحو نيكولاس ليطمئن عليه و التعب يكاد يغلبه.

ليتفاجئ به امامه،واقفا كصنم حجري بوجه مجمد خال من المشاعر،و كأنه لا يحس بذراعيه المصابتين.

فجأة،وضع يديه على كتفي ايثان المستغرب،قبل ان يعانقه بقوة و الدموع تخرج من وجهه المتحجر.

قائلا بصوت ممتن"شكرا...شكرا لك،لا اعرف ما الذي كنت لأفعله لولى مساعدتك،لقد كنت عاجزا،اعتقدت حتى انها نهايتي،ظننت انني سأموت قبل ان اساعدها،تاركا اياها تعاني،لكنك منعت ذالك من الحدوث...و انا ممتن لهذا حقا"

بقي ايثان مجمدا من الصدمة للحظات،لكنه اكتفى بالطبطبة على ظهره بينما ينظر الا جوزيف و جيني بإستغراب.

قاطعهم جوزيف معبرا عن قلقه"من فضلك يا صاح توقف عن هاته الدراما و فل نخرج بسرعة قبل ان تأتي تلك الوحوش مجددا،من المأكد انها سمعت صوته"

مسح نيكولاس وجهه من الدماء و الدموع بعد ان ترك ايثان،ثم بدأ بالكلام بصوت مرهق"انت محق،علينا الذهاب حالاً"

ليخرجو من المتجر ،تاركين جثة الغريب لتتعفن بالداخل،او ليتم التهامها من باقي الكيانات بالمنطقة.

لتمر بهم الدقائق و الساعات و هم يمشون بين التلوج البيضاء،و يتجنبون المتجولين في اكثرية هذا الوقت.

الا ان حل الليل،و توقفو داخل احد المنازل المطلة على نهاية المدينة،المتمتلة في ارض بيضاء،مليئة بالتلج و السيارات المحطمة بمختلف انواعها،مع بعض المتجولين الذين يزورون المكان من الحين للأخر.

اقفلو البيبان من خلفهم،و قامو بتجهيز مكان نومهم بهدوء،حريصين على ان لا يحدث اي خطأ هاته اللية.

ليذهب كل واحد منهم لنوم،غارقين في عوالمهم الخاصة،جاهلين لما يخبئه لهم الغد.

النهاية.

لا تنسى الصلاة على رسول الله

gg

More Chapters